%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%85..%20%D8%A3%D9%85%D9%84%20%D8%A8%D9%84%D8%A7%20%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%AD%D8%A9.. - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


الحلم.. أمل بلا أجنحة..
إيتاليكا – 10\09\2008

طفلة صغيرة كنت أنا.. جعلت من الدين مرجعي.. ولبست العلم الوطني قميصا لي..
طفلة صغيرة أنا، نشأت في بيت يملؤه حب الدين وحب الوطن، وأقسم أنني مارست حبي للاثنين معاً بقناعة مني أن هناك أشياء تستحق أن نحبها حقا، وتستحق التضحية والعيش من أجلها.
أحد لم يجبرني. أحد لم يسألني. كنت قد اتخذتهما طريقا لي، لأنني بالفعل مقتنعة.
أحببت الدين ومارست الفضائل المتبعة فيه، ليس خوفا من أبي وأمي، ليس خوفا من دخول نار جهنم، بل من أجل القيم العظيمة الموجودة فيه، ولأن في داخلي كان ضمير يرفض أن يظلم أحداً، يحب الجميع، يحب المساعدة والخير.. ضمير لا يقدر على الظلم ولا الأذيّة.. ضمير!! لا بل إنه قلب طيب.. أجل هذا ما يطلقونه اليوم على الناس أمثالي، وعلى كل شخص يبحث عن السلام والاستقرار، دون أن يلجأ إلى المشاكل ودون أن يتسلق أكتاف الآخرين من أجل الوصول، لأن المستقيم أصبح اليوم «أجدبا»، في قاموس التعريف «المجدلاني».. أو ربما العربي..
ثم تابعت مسيرتي مع الوطن. أحببته. أردت السلام وطالبت فيه. دافعت كثيرا عن مبادئي، دون أن أجد أذنا واحدة تصغي لي أو حتى تؤيّدني..
تابعت حياتي كما غيري في الجد والعمل، أبحث عن لقمة العيش التي أصبحت مستحيلة، في ظروف الاحتلال الصعبة وتحت قدم غلاء المعيشة المستمر دون توقف، وكأنّه يركض متحديا كل من يبحث عن الاستقرار والراحة، حتى أصبحنا أناسا ضائعين حتى الموت. وبعيدا كل البعد عن ما يسمى بالاستقرار العائلي، أصبح الركض وسيلتنا الوحيدة، في طريق البحث عن لقمة نظيفة، نتناولها ونطعمها لأطفالنا الصغار، دون أن نمس الدين والوطن بسوء يذكر.
أنا الطفلة التي ولدت وذنبي في جيب فستاني الممزق يلازمني، لأنني ولدت بخلاف كل أخوتي الذكور أنثى. أنا النقطة السوداء في دفاترهم، في أفكارهم، وأتسلل حتى أحلامهم الخالية إلا من سواد نقطتي.
أنا تلك الأنثى اقترفت ذنبا رغما عني، بكوني ولدت في مجتمع لا يجد الحلول للمشاكل العظيمة التي يواجهها إلا من خلال طرح مشاكل أخرى، يشغل الآخرين بها ويلصقها بكل أنثى حاولت أن تعتمد على نفسها وتعمل، لتساعد والدها العاجز، أمها المريضة، أخاها المبذّّر، وحتى تنقذ نفسها من حاجة الآخرين.. فلم يجدوا طريقا لحل المشاكل المتراكمة في البلد إلا من خلال إلقاء الضوء على خطورة وجود الأنثى في حياتنا، والوقوف أمام نجاحاتها، والعمل على التصدي لها ومنعها بكل الوسائل الممكنة، دون البحث عن حلول لما نعانيه حقّا، وحتى دون النظر إلى الأسباب التي أجبرتنا على العمل في تنظيف الغرف في «الأوتيلات»، والعمل في الزراعة خارج حدود الهضبة ومع اليهود. وما يزعجني حقّا موقف أمي، موقف جدتي، وأختي التي تعيش فوق الريح بقليل، بتلك القرارات الظالمة رغم معرفتهن بالحاجة الماسة إلى العمل.
أنا تلك الطفلة المؤمنة بديني والتي تحترمه رغما عن الجميع، أحترم رجال الدين وقراراتهم، لكني أتساءل أمامهم وأمام وطني، بدلا من الوقوف عقبة أمام عملنا، وأمام بحثنا عن لقمة العيش البعيدة خارج الهضبة، لما لا نلجأ إلى التفكير بالأسباب التي أجبرتنا عليها، ومن ثم البحث عن وسائل أخرى نعتاش منها دون الهرب إلى الخارج، من أجل العمل الذي يعتبره الدين محرما.
هل حاول أحد التفكير يوما بتلك الفتاة العاملة، لماذا تعمل وما الذي أجبرها على العمل، حتى لو كان العمل لا يلائم مبادئها أو حتى قيمها؟ أم أننا اعتدنا إلقاء اللوم واستعمال سلطة التحكم بالغير دون حتى الاهتمام بالأسباب التي أدت إلى ذلك!

أنا سأخبركم بالأسباب التي أجبرتني على العمل خارجا، وأجبرتني أحيانا على...

1- الوضع المادي الصعب الذي نعانيه، وغلاء المعيشة الذي أصبح لا يتلاءم مع المدخول الشهري.
2- تدني الراتب الشهري للفتيات، واستغلال أصحاب المحلات للعاملات، لكثرة عدد الراغبات بالعمل وقلة الفرص المتاحة لهن.
3- عدم وجود معامل تتبنى مشروع دعم الأسر المحدودة الدخل والتي تعيش تحت خط الفقر.
4- عدم توفر مراكز لرعاية الأطفال تحت سن 3 سنوات للأمهات العاملات (مراكز مجانية أو بأجر رمزي لمساعدة العائلات المحتاجة).
5- قرارات رجال الدين- مع احترامي الشديد لهم- بمقاطعة كل من يعمل خارج حدود الهضبة.. حتى لو كانت جميع العاملات من نفس المنطقة.
6- وقوف رجال الدين بطريق رخصة القيادة التي تعد اليوم من أهم المشاريع التي تساعد في تقدم المرأة، خصوصا في مجال العمل، وأيضا في مساعدة الأهل العاجزين، والذين يحتاجون إلى المساعدة في غياب أبنائهم الشباب. مع ثقتي بأن الفتاة تخدم والديها بإخلاص أكثر من أخوتها الذكور، حتى أثناء وجودهم.
7- عدم التساوي بين الذكور والإناث في كل بيت، حيث تعمل الفتاة بمساعدة الأهل خلال المواسم، في غياب إخوتها أو حتى حضورهم، بحيث لا يقدم الوالد أجرا لابنته التي تتعب وتشقى طيلة أيام السنة في البيت والأرض، بينما تُحفظ حقوق الشباب كاملة، حتى لو كانوا يعملون في مجال آخر.
8- تعميم الحرية السيئة، وإلصاقها بكل الإناث بمجرد وجود عدد ضئيل من الفتيات التي يسئن استعمالها..
أي (تغريم الفتيات الدفع ثمن أخطاء لم يقترفنها).

هذه بعض الأسباب التي أعانيها والتي تضطرني إلى الجلوس في البيت رغم حاجتي الماسة للعمل، دون أن يهتم احد إلى أمري وأمر أسرتي التي ينقصها الكثير، والتي تسقط في الحضيض يوما بعد يوم، دون دعم من وطني الذي حاربنا جاهدين للصمود أمام ظلم الاحتلال وابتزازه، ودون دعم أهلنا ورجال الدين الذين يعدّون أنفسهم مسؤولين عنا.. ودون تقديم المساعدات للعائلات المحتاجة حقا، والوقوف أما مشروع القرض السكني (المشكنتا) الذي يقدّمه الاحتلال لنا، حتى لو كانت هناك سيئات من ورائه.
فبدلا من التبرع للمشاع وصرف الأموال على أمور ثانوية نستطيع تأجيلها، لماذا لا يقوم المسؤولون بإقامة جمعية أو مشروع يتبنى مساعدة العائلات الفقيرة، بدلا من تبذير الأموال يساراً ويمينا دون فائدة تذكر؟
لماذا لا يقوم الوطن بدعمنا ماليا، حتى يقفل الطريق أمامنا وأمام الاحتلال الذي يداهمنا داخل بيوتنا؟

أعلم أنني تماديت جداَ، وأطلب المستحيل لكني سلطت القليل من الضوء على معاناتي. فالحاجة التي تحاصرني، الديون التي تطمرني، أجر البيت الذي أعجز عن دفعه، وعدم وجود فرصة تتيح أمامي التقدم، جعلوني حقا أتطرق إلى الكلام، علني أجد فاعل خير يساعدنا، ينقذنا أنا وعائلتي، والكثير من العائلات الفقيرة.. علنا نحقق حقا حلمنا بان يصبح لنا بيت، حتى لا نلجأ إلى طرق لا تليق بنا وبمبادئنا.